الحمد الله الجليل ثناؤه, الجميل بلاؤه,
الجزيل عطاؤه, القاهر سلطانه, الباهر إحسانه, المأمول عطفه, المحذور سطوه,
البادية حكمته, الشاملة رحمته..
والصلاة والسلام على البشير النذير, والسراج المنير, محمد بن عبد الله, وعلى آله وصحبه ومن تبعه إلى يوم الدين.. وبعد.
يقول الله تعالى : "والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا" (الأحزاب: 58).
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : "اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة" (رواه مسلم).
إن الله تعالى حرم الظلم على نفسه, وجعله محرما بين خلقه, فالظلم والإيذاء
بهتان عظيم, وإثم مبين, وهو وبال على صاحبه, عاقبته وخيمة, وعقوبته معجلة
في الدنيا قبل الآخرة, يقول النبي صلى الله عليه وسلم : "إن الله ليملي
للظالم فإذا أخذه لم يفلته", ثم قرأ: "وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي
ظالمة إن أخذه أليم شديد" (متفق عليه).
ويقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم".
وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: "إذا ظلمت من دونك فلا تأمن عقاب من فوقك". وصدق من قال:
إن للظالم صدرا يشتكي من غير علة
منذ سنوات والتفنن في إيذاء المواطنين الإماراتيين السبعة, لازال مستمرا,
فلا يكاد يقع عليهم إيذاء حتى يتبعونه بإيذاء ثان وثالث ورابع, حتى ربما
يصدق فيهم قول المتنبي:
رماني الدهر بالأرزاء حتى فؤادي في غشاء من نبال
فصرت إذا أصابني سهام تكسرت النصال على النصال
لقد بدأت الإيذاءات منذ زمن, حيث تم التضييق على المواطنين السبعة في
وظائفهم الرسمية, فتم إبعادهم عن وظائفهم ونقلهم إلى وظائف خدمية هامشية
أخرى, وتم التضييق على مؤسساتهم التجارية الخاصة, فصدرت التعاميم للمؤسسات
الحكومية بعدم التعامل معهم, وتم إيقافهم عن الخطابة, ومنعهم من إلقاء
المحاضرات والمشاركة في الندوات, ومنعهم كذلك من الظهور في جميع المؤسسات
الإعلامية في الدولة (فضائيات, إذاعات, جرائد, مجلات).
وقبل ستة شهور تصاعدت وتيرة الإيذاء, فصدرت بحقهم العديد من القرارات غير
القانونية والمنافية لحقوق الإنسان ولقوانين دولة الإمارات وللمواثيق
الدولية التي وقعتها دولة الإمارات, فضلا عن أنها مخالفة لشرع الله تعالى,
حيث تم سحب جنسياتهم, وجوازاتهم, وهويتهم, ورخص القيادة, والبطاقات الصحية,
ولم يسمح لهم بقيادة سياراتهم, أو تجديد ملكياتهم, أو العلاج في
المستشفيات الحكومية, أو التصرف في ممتلكاتهم الخاصة, كما تم التشهير بهم
في وسائل الإعلام, واتهامهم زورا وبهتانا بالخيانة وتهديد أمن الدولة,
وكذلك إغلاق جميع مؤسساتهم التجارية الخاصة, وطردهم من وظائفهم, ومنعهم من
العمل في أية مؤسسة حكومية أو خاصة.
وقبل شهرين تزايدت الايذاءات, فقد تم استدعاؤهم إلى الإدارة العامة لشؤون
الجنسية والهجرة والمنافذ ومطالبتهم بالبحث عن جنسية أخرى واستخراجها خلال
أسبوعين, رغم أن هناك قضية رفعها المواطنون السبعة, في محاكم الدولة, وقد
رفض السبعة رفضا قاطعا فكرة التوقيع على أي تعهد لاستخراج جنسية أخرى أو
استبدال بلادهم بأي بلد آخر.
ولما رفض المواطنون السبعة التوقيع على التعهد باستخراج جنسية أخرى تم
حبسهم في مركز الشهامة بأبوظبي, وخلال هذه الشهور لم يسمح لهم بالاتصال
بأهلهم, ولا زياراتهم, ولا العلاج رغم الظروف الصحية الصعبة التي يعانيها
بعضهم, كما لم يسمحوا لمحاميهم بزيارتهم والالتقاء بهم, ومنعوهم من حضور
جلسات المحاكمة, هذا بالإضافة إلى عدم عرضهم على النيابة علما بأن القانون
يلزم الجهات الرسمية بعرضهم على النيابة خلال (48) ساعة فقط!! ولما تم
الحديث مع مدير إدارة المخالفين بأن هذه الإجراءات غير قانونية قال: اتركوا
القانون ولا تكلموني فيه, وعندما عرض الأمر على النائب العام رفض مقابلة
المحامي كما لم يحرك ساكنا, وكذلك عندما عرض الأمر على مدير إدارة حقوق
الإنسان بوزارة الداخلية (وهي الإدارة المعنية بمتابعة مثل هذه المخالفات)
قال: سننظر في الأمر, ولكن لم يحدث أي تغيير.
وللأسف الشديد قامت وزارة الداخلية باستخدام التكتيكات والأساليب غير
القانونية لإثبات أن قرارها صحيح, وليس لإقرار الحق والعدل, فقد رفضت
(ابتداء ومنذ صدور قرار سحب الجنسيات من المواطنين السبعة) تسليم المواطنين
السبعة نسخة من هذا القرار, وإنما سحبت جنسياتهم بناء على كلام شفهي, وهو
أمر مخالف لكل القوانين المحلية والدولية, كما أنها ماطلت كثيرا في القضية
المرفوعة من المواطنين السبعة على وزارة الداخلية, حيث لم تسلم القرار
للمحكمة, رغم مطالبة القاضي, إلا في الجلسة الرابعة, وبعد مرور شهور من بدء
المحاكمة!! وأخيرا قامت بحبس المواطنين السبعة من دون أأوراق رسمية ورفضت
عرضهم على النيابة!!
إن ما يحدث للمواطنين السبعة, والإيذاءات التي يتعرضون لها لهي أمر مشين
مؤلم, أساء كثيرا لسمعة دولتنا التي بناها صاحب السمو الشيخ زايد وإخوانه
حكام الإمارات, كما أن ما يحدث لهم هو إساءة الأخلاق والقيم, بل هو إساءة
للمروءة التي اتصف أهل الإمارات, وأخشى أن يكون حالنا كقول القائل:
مررت على المروءة وهي تبكي فقلت علام تنتحب الفتاة
فقالت كيف لا أبكي وأهلي جميعا دون خلق الله ماتوا
أين المروءة ونحن ننظر إلى جهاز الأمن وهو يتفنن في تعذيب هؤلاء المواطنين
السبعة على مسمع ومشهد من العام؟! أين الدين والحمية الإسلامية ونحن نري
هذا الجهاز يتلذذ في إيذاء هؤلاء العلماء والدكاترة والدعاة والمربين
والكفاءات السبعة التي تشهد لها الناس داخل الإمارات وخارجها بالفضل
والانجاز والعطاء النوعي المتميز الذي بلغ مشارق الأرض ومغاربها.
أليس لهذا الليل من آخر؟! أليس لهذا الظلم من وقفة تأمل ورجوع إلى الحق؟!
أليس هناك نفوسا حية رحيمة توقف هذا الاعتداء وتقول: كفى؟! أليس هناك قلوبا
تخشى الله وتعلم أن الله يفتح للمظلوم أبواب السماء ويقول: وعزتي وجلالي
لآنصرنك ولو بعد حين؟!
أقول للذين يتلذذون بتعذيب هؤلاء السبعة, ويستمتعون بإيذائهم والاعتداء
عليهم, ويتفنون في ظلمهم وانتهاك حقوقهم, ويفرطون في استخدام قوتهم
وجبروتهم .. أقول لهم: إن في هذا الكون ربا لا يرضى بالظلم, وأنه عزيز ذو
انتقام, وإنه للظالمين المعتدين لبالمرصاد, كما أن هناك قبر مظلم له ضمة
شديدة لن يكون معكم فيه إلا عملكم, وهناك آخرة يحاسبكم فيها ربكم على
النقير والقطمير, وهناك يكون القصاص, فأين المفر؟!
وصدق ابن السماك حين قال لهارون: إن لك بين يدي الله مقاما, وإن لك من
مقامك منصرفا, فانظر إلى أين مصرفك, إلى الجنة أم إلى النار؟ أقول لهؤلاء:
احذروا سهام الليل ولا تستخفوا بها, فإنها صائية المرامي إذا وترت بأوتار
الخشوع, وقد قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: "واتق دعوة المظلوم فإنه
ليس بينها وبين الله حجاب".. أقول لهم: اتقوا دعوات الأمهات العجائز الركع
السجد في السحر, واحذروا آهات الأطفال الصغار ودعاءهم عليكم في الليل
والنهار.. إن سلاح الدعاء سلاح فتاك يعرفه العقلاء أصحاب القلوب الحية, "إن
في ذلك لذكرى للمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد".
أقول لهؤلاء: كيف تستطيعون النوم وتستمتعون في هذه الحياة وتجالسون أبناءكم وهؤلاء السبعة بعيدون عن أبنائهم ظلم وعدوانا.
أقول لهؤلاء ما قاله القائل:
خزائن الله تغني كل مفتقر وفي يد الله للسؤال ما سألوا
وسائل الله مازالت مسائلة مقبولة مالها رد ولا ملل
فافزع إلى الله واقرع باب رحمته فهو الرجاء لمن أعيت به السبل
كم أنقذ الله مضطرا برحمتهوكم أنال ذوى الآمال ما أملوا
وأخيرا أملنا بالله كبير, ثم برئيس الدولة صاحب السمو الشيخ خليفة بن
زايد آل نهيان حفظه الله أن يوقف هذا الإيذاء ويأمر بالإفراج عن المواطنين
السبعة وإرجاع جنسياتهم وحقوقهم الأخرى.
عبدالرحمن عبدالله
خليجي باحث في الشؤون السياسية