السبت، 7 يناير 2012

مقال : سحب الجنسية حماقة امنية ام سياسة دولة؟!


سحب الجنسية حماقة امنية ام سياسة دولة؟!

للكاتب جاسم راشد الشامسي

                              سحب الجنسية حماقة امنية ام سياسة دولة ؟
   الخبر السيئ الذي تناقلته شبكات التواصل الاجتماعي وبعض القنوات الفضائية وصدرتأكيد رسمي فيما بعد من  الإدارة العامة لشؤون الجنسية والإقامة والمنافذ بشأن سحب جنسية “ستة” مواطنين – ما تناقلته المواقع سبعة مواطنين حيث لم يتضمن بيان الهجرة المواطن أحمد غيث السويدي- من الاسلاميين بحجة الحفاظ على الأمن العام , استعادني ذلك الى القصة الرمزية الشهيرة “الدب الأحمق والذبابة” حيث روت الاخبار: أن رجل سيار رأى دباً عظيماً موثقا ومعلقا في شجرة وسط صحراء فسيحة..فأشفق عليه وحرره من قيده, ثم نام تحت تلك الشجرة  ليستريح من وعثاء السفر..فجاء الدب على وجهه يدب, ليحمي صاحبه الرجل من كل ما يقطع عليه متعة النوم..فرأى الذبابة مقبلة ترن كالربابة, فوقعت على جفن صاحبه..فجاش غضبا وقال لا وربي لا أدع الذبابه تسومه عذابا..فأسرع الى صخرة قريبة, ورض رأس الخليل ليحفظ أمنه من الذبابه..فحطم العين والرأس ولم تبقى إلا الحماقة.

  لن يستطيع المرء ان يفسر  المغامرة الأمنية بعيدا عن تلك القصة وهي وان كانت رمزية فإنها  تتزامن مع من يرنو بحسن اوسوء نيه لاكتساب أوحماية شيئ ما – للحفاظ على الأمن العام مثلا- ثم تراه يتحامق بقرارات تحرق الغايات والوسائل وهذا ما صنعه سيدنا الموقر عالي الهمة جهاز الامن .
   مما يبعث على اعلى مراتب الحزن والأسى أن تصدر قرارات سحب جنسية من مواطنين بحكم القانون بعد يومين فقط من عرس يوم الاتحاد , وبعد الإفراج عن الخمسة المعتقلين, وهكذا فجأة دون تحقيق او تحويل ملف التهمة إلى القضاء أو حتى الاحساس بان هناك شعب ورأي عام يحتاج اقناعا لكي يبتلع تلك المغامرة النيّة,ومما يزيد الأسى وطأة أن من تم سحب جنسيتهم لهم  حضور قوي وإيجابي محلياً وعربياً واقليمياً ولهم قيمة مضافة يزهو بها الوطن.
  لا أخفيكم حديثا أنني شعرت بتلك العاصفة في ظل تصريحات صحفية ومواقع الكترونية قبل القرار بإسبوع تقريبا صرح بها عدداً من وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي ومنهم سموالشيخ عبدالله بن زايد قائلا :أن خطوات دبلوماسية وسياسية ستتخذها دول المجلس تجاه الأعمال التخريبية التي حدثت في دول خليجية عدة أخيراً تبين أن إيران تقف خلفها” مستشهداً بخلية التجسس التي تم القبض عليها في الكويت في وقت سابق وأضاف “أن الخطوات يجب أن تترك لكي يكون لها مفعول اكبر وليس من المناسب أن أصرح بهذه الخطوات الدبلوماسية في الوقت الحالي” !
   وقعت عيني على البيان الأول للمواطنين السبعة المسحوبة جنسياتهم حيث تضمن البيان ما يلي : تم اتخاذ اتجاهنا اجراء جائر وغير قانوني مخالف لحقوق الإنسان الأصيلة ودستور الدولة والقوانين الصادرة وهو سحب جنسية الدولة عنا, والجامع بيننا اننا دعاة للإصلاح ننتمي لجمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي في الدولة ,والتي تم إيقاف مجلس إدارتها, ثم يضيف البيان بان بعضنا قد شارك في التوقيع على عريضة رفعت لرئيس الدولة تطالب بإصلاحات في السلطة التشريعية في الدولة, ثم ناشد البيان المجرع بالمرارة والضيم الجهات والمؤسسات والجمعيات والوجهاء والمسؤولين المعنيين بحقوق الإنسان ان يقفوا معهم في هذه القضية الإنسانية ,كما وأنهم يطالبون بإيقاف كافة الإجراءات الجائرة الموجهة لدعاة الإصلاح في الدولة وأهاليهم وزوجاتهم وأولادهم ومؤسسات دعوة الإصلاح, وأن هناك تشويه لهم محلياً واقليمياً ودولياً من قبل قيادات ومستشارين فاسدين مفرطين في جهاز أمن الدولة ويثيرون الفتنة, ويطالبون حكام الدولة بإرجاع الحق لهم وإزالة الورم السرطاني في جهاز الأمن للحفاظ على أمن الدولة,  كما وانهم اصدروا بيانا اخر تضمن نفس المعنى مضافاً اليه مايلي: أنهم من ابناء الوطن الحاصلين على الجنسية بحكم القانون, وأن الاتهام بولاءاتهم لمنظمات مشبوهه عاري عن الصحة , مع احساسهم ان تلك الخطوات لم تكن يوما ما الا بسبب انتمائهم لدعوة الإصلاح وتوقيعهم على العريضة ,وما عدا ذلك فهي احكام جائرة وليست لهم اية صلة بمنظمات او شخصيات مشبوهة الا ما قاموا به من المساعدة الخيرية لغزة المحاصرة ان كانت هذه شبهة .انتهى ,وذكرني ذلك باتهام نظام المخلوع حسني مبارك بعض الإسلاميين وكان بعضهم خليجيين بتهم قريبة من ذلك!
  مما لا خلاف عليه أن أصعب أمرعلى المواطن هو شعوره بغربة في وطنه, والأصعب أن يتراكم هذا الشعور ليجد نفسه في عالم لا يرحم وطنيته , بل يجد تلك الوطنية مهدورة الدم , وأن من يتحاور معها لايعبأ بماضيها الأبيض ومستقبلها الواعد ,فهو في كل الحالات عبارة عن ملف امني يحتضن تقارير لا يدَعُ لحوار العقل مساحة.
   لم يكن هذا الإجراء مثيراً لمن يتابع المعركة الخفية بين الإصلاحيين والأجهزة الأمنية وإن تصاعدت ضراوتها في الأونة الأخيرة تحسباً لإرتدادات ثورات الربيع العربي ,لكنه على المشهد الوطني شكل صاعقة ان لم يتم تداركها سوف تصيب اللحمة الوطنية في مقتل .
   ليس بوسع أحد أن يدّعي بأنه لا يعلم بتدهور وضع الحريات في الوطن ,وانحدار جلي لمنحنى المشاركة الشعبية , حيث تغول و توغل الجهاز الأمني في جميع مفاصل الحياة وتحولت الإمارات من دولة مدنية مسالمة إلى ملعب يتسابق به السلك الأمني والعسكري لتقلد مناسب رفيعة داخل وخارج الدولة وأصبح الملف الأمني هو السيد في التحاور بين السلطة والشعب .
  من المعيب أن لا تتعلم الحكومات العربية من تجارب بعضها البعض ,حيث ان شباب الوطن المتطلع الى هامش من الحرية لا يواجه بقانون القوة ولكن بقوة القانون ,ولا باغتصاب وامتهان حريته وكرامته وسلخه من وطنه, ولا حتى وبشكل مفاجئ زيادة الرواتب ,ولا بتسميم الأجواء بنتن العصبية ,أو سحب جنسية مواطنين مقابل فتح الباب لتجنيس أبناء المواطنات فهذا خلط للأوراق يزيد المشهد توترا.
   يحار المرء من الهجوم الأمني الغيرعقلاني والمتصاعد شراسةً ضد الاسلاميين على الصعيد المحلي والعالمي وخاصة جماعة الإخوان المسلمين ,إما عن طريق المراكز الاستراتيجية التابعة للدولة , أو الصحف أو حتى على يد أقلام الأمن المأجورة ,ولا أدري ماهو موقف أومعايير أو مرجعيات سياسة الحكومة في ضوء هذا الهجوم من ناحية ,وتصدر الإسلاميين وبخاصة الإخوان المسلمين في حكومات الثورات العربية القادمة من ناحية أخرى ؟ ومن الحكمة ان نتفهم هذا التغيير ونتعامل معه بروية لا أن نثيره وخاصة مع دولة محورية مثل مصر,وحالنا لايحتمل المزيد.
   أدري أن كثيراً من قيادات الوطن تتحفظ على مغامرة سحب الجنسية ,مما يشير أن القرار السياسي في الدولة خاضع للملف الأمني في كثير من جوانبه , وتسوده الإرتجالية والفوقية ولا يخضع الى مختبر البحث والمشاركة والتأني ,وإن كانت تجلياته تدغدغ مشاعر حب الوطن والشعب ,ولكن يبقى حسن التنفيذ هو المعيار الحقيقي لمصداقية تلك التجليات.
    لا افترض البراءة في أن كل من تم سحب جنسياتهم  من المواطنين “السبعة” هم من أصول إيرانية  -كما يدّعي الأمن – وخاصة في ظل تصريحات وزير الخارجية, ولا  أستطيع أن أؤكد أنها بداية لسلسلة من الإجراءات القمعية , ولكنني على يقين لا يخيب بأنها هي البداية لحرية أوسع وانتصار للحق وأهله, ولحكمة من بعض القيادات في الحكومة تعترف بالخطأ وتصوبه , وتفاؤلي مستأنسا -إن صح الاستئناس- بالرقم “سبعة” فله حضور خاص عند كل مؤمن , فعدد أيام الأسبوع سبعة ,وعدد مرات الطواف سبعة, ومرات السعي عددها سبعة ,وعدد جمرات الرمي سبعة,ولا ننسى السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لاظل الا ظله, وغيرها من الأحداث والشواهد التاريخية , وهذا ليس من شئون “الدَروَشه” ولكن بحسب تفاؤل يصاحبه عمل شاق وتوعية يحتملها أحرار الوطن ,ولا شك فيه أن الايام القادمة ستجيب لنا عن كثير من التساؤلات المثارة بهذا الخصوص,”ولا فرق بين عربي  وأعجمي إلا بالتقوى” صدقت يارسول الله!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق