السبت، 7 يناير 2012

مقال : لستم دياكيه يا دعاة الإصلاح!

تاريخ النشر : 28 01 1433
لستم دياكيه يا دعاة الإصلاح!
الكاتب: إبراهيم بن عمر السكران


حين رأيت هذه المقارنة الأليمة قلت في نفسي: مشكلتكم أنكم لستم دياكيه يادعاة الإصلاح!

الحمد لله وبعد،،

الشيخ الفقيه محمد عبد الرزاق الصدّيق (عضو الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين وعضو في اللجان الشرعية المصرفية)، والداعية المعروف د.علي الحمادي (رئيس مركز التفكير الإبداعي) ومعهما إخوانهم: د.شاهين الحوسني (متخصص في علم المكتبات)، وحسن الجابري (متخصص في العمل الخيري)، وحسين الجابري (خبير تربوي)، وابراهيم المرزوقي (خبير تربوي).




هذه المجموعة هم شخصيات إماراتية فاعلة، وهم أعضاء في جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي بالإمارات، وهي جمعية رسمية وعريقة يرأسها الشيخ سلطان بن كايد القاسمي، وهي أقوى المؤسسات الدعوية في الإمارات، كما شارك بعض هؤلاء (الصديقي والحمادي والحوسني) في توقيع خطاب موجه للشيخ خليفة في مارس 2011م، يطالب بإصلاحات سياسية جوهرية تتعلق بتوسيع المشاركة الشعبية.



وفي هذه الأيام فوجيء الرأي العام الإماراتي والخليجي بقرار صادر من الشيخ خليفة آل نهيان، ونشر في الصحف الإماراتية (الاتحاد، البيان، الإمارات اليوم) هذا اليوم الخميس 22 ديسمبر 2011م، ونشر الخبر بنفس الصيغة، وتضمن القرار تجريد هؤلاء الدعاة الإسلاميين المطالبين بالإصلاح من (جنسيتهم الإماراتية)! حيث جاء في خبر القرار:



(أن صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة أصدر بتاريخ 9 محرم 1433 هـ الموافق 4 ديسمبر2011 أمراً رقم (2/ 1/7857) يقضي بسحب جنسية الدولة عن كل من: حسين منيف الجابري، حسن منيف الجابري، إبراهيم حسن المرزوقي، شاهين عبدالله الحوسني، علي حسين الحمادي، محمد عبدالرزاق الصديق. وذلك لقيامهم بأعمال تعد خطرا على أمن الدولة وسلامتها، وأضاف المصدر أنهم عملوا خلال السنوات الماضية على القيام بأعمال تهدد الأمن الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة من خلال إرتباطهم بمنظمات وشخصيات إقليمية ودولية مشبوهة، كما إرتبط بعضهم بمنظمات وجمعيات مشبوهة، مدرجة في قوائم الأمم المتحدة المتعلقة بمكافحة تمويل الإرهاب، وأكد المصدر المسؤول في الإدارة العامة لشؤون الجنسية والإقامة والمنافذ في ختام تصريحه أن إتخاذ هذا القرار يعتبر من الأعمال السيادية للدولة)[انظر: الاتحاد والبيان والإمارات اليوم، 22 ديسمبر 2011م].



هذا القرار الأليم الخارج عن الصورة النمطية الجميلة المعروفة عن حكام الإمارات، يحتاج أولاً إلى فحص مدى قانونيته، هل هذا القرار استوفى المتطلبات القانونية لكي تسري آثاره؟

الحقيقة أن هذا القرار غير قانوني أصلاً، وتضمن عدة أسباب للبطلان، حيث صادم هذا القرار عدة مبادئ قانونية، سأستعرضها فيما يلي:



-لا سحب جنسية إلا بمرسوم:

الإطار القانوني الإماراتي المنظّم لعملية سحب الجنسية هو (قانون الجنسية وجوازات السفر، رقم 17 لسنة 1972م) وقد نصت المادة (20) من هذا القانون على أن سحب الجنسية لا يكون إلا بـ(مرسوم) ويكون موافقاً عليه من مجلس الوزراء، حيث تنص المادة على ما يلي:

(تمنح جنسية الدولة بمرسوم، بناء على عرض وزير الداخلية، وموافقة مجلس الوزراء، كما يتم اسقاط الجنسية وسحبها بالإجراء المتقدم)[قانون الجنسية:م20].

فيلاحظ القارئ أن سحب الجنسية يشترط له أن يكون بـ(مرسوم) ويكون هذا المرسوم موافقاً عليه من مجلس الوزراء.



ومفهوم المرسوم كما أكدته هذه المادة في قانون الجنسية؛ فقد نص عليه إطار قانوني أعلى وهو دستور البلاد الحاكم فوق هذه القوانين العادية كلها، حيث نص الدستور على أن المرسوم يكون له خاصيتان: (موافقة مجلس الوزراء، والنشر في الجريدة الرسمية)، حيث نصت المادة (114) من دستور دولة الإمارات العربية المتحدة على ما يلي:

(لا يصدر مرسوم إلا إذا أقره مجلس الوزراء..، وتنشر المراسيم بعد توقيعها من رئيس الاتحاد في الجريدة الرسمية)[دستور الإمارات:م114].



حسناً .. إلى هذه الساعة لم ينشر في الجريدة الرسمية صيغة "مرسوم" بهذه المواصفات، وهو المتطلب القانوني الذي نص عليه قانون الجنسية الإماراتي، وهندس محددات المرسوم الدستور الإماراتي، وإنما ما يتداوله الإعلام لحد الآن إما مجرد "قرار" أو مجرد خبر عن "مرسوم".



-لا سحب جنسية إلا بإدانة، ولا إدانة إلا بمحاكمة:

قانون الجنسية الإماراتي حدد بلغة حاصرة الحالات التي يسوغ فيها سحب الجنسية، وهي أربع حالات فقط: العدوان على أمن الدولة، تكرر الجرائم المشينة، الغش في بيانات الجنسية، الإقامة المستمرة خارج الدولة أكثر من أربع سنوات [قانون الجنسية: م16].




ويلاحظ أن الحالات الثلاث هي (أوصاف جرمية) والأوصاف الجرمية لا تملكها السلطة التنفيذية، وإنما يملكها القضاء، وقد ذهب بعض شراح (القانون الدولي الخاص الإماراتي) إلى أن الحكم بتحقق هذه الجرائم هي من السلطة التقديرية المتاحة للجهة التنفيذية، وفي تقديري الشخصي أن هذا خطأ، لأن التجريم والعقوبة عملية قضائية نظمها الدستور الإماراتي، وهو سلطة أعلى من القوانين العادية، فإذا احتملت نصوص هذه القوانين العادية معاني متعددة بعضها يناقض الدستور كان المعنى المحتمل المناقض للدستور باطلاً، والمبدأ الدستوري الذي يقيد ذلك هو المبدأ التالي:

(المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية وعادلة)[دستور الإمارات: م28].



وهذا المبدأ الدستوري يقتضي أن السلطة التنفيذية لا تستطيع أن تدين المتهم بأنه ارتكب عملاً يهدد أمن الدولة، لأن الدستور اشترط للإدانة المحاكمة العادلة، وعند عدم توفر المحاكمة العادلة؛ فالمتهم باقٍ على الأصل الذي نصت عليه هذه المادة الدستورية وهو البراءة، فلا يزال بريئاً، وإذا كان المتهم لا يزال بريئاً فقد سقط الوصف المسوغ لسحب الجنسية.



مع الأخذ في الاعتبار أن القانون الإماراتي فرّق -كما تفرق نظم قانونية كثيرة- بين (سحب الجنسية) و (سقوط الجنسية) ووضع لكل منها مسوغات خاصة، وليس هذا موضع تفصيل الفروق، لأن محل هذه القضية القانونية التي نحن بصددها هو (سحب الجنسية).



-مرسوم سحب الجنسية قرار إداري لا سيادي:

أشار الخبر المنشور في الصحف إلى أن قرار سحب الجنسية قرار سيادي، وهي إشارة استباقية إلى أنه لا يمكن الطعن على هذا القرار بطرق الطعن القانونية، والواقع أن عدداً من شراح القانون الدولي الخاص نبّهوا إلى حالات قضائية حكمت فيها المحكمة الاتحادية العليا، وهي أعلى سلطة قضائية في الإمارات كما نص على ذلك (الدستور: م100) كما أن لها سلطة الرقابة على دستورية القوانين (الدستور: م99)، هذه المحكمة الاتحادية الأعلى أرست مبدأ الرقابة على صحة الإجراءات المتخذة في قرار سحب الجنسية.



بمعنى أنه حتى لو كان للجهة التنفيذية السلطة التقديرية في تحديد تحقق الجريمة المسوغة لسحب الجنسية، فإن للمحكمة حق الرقابة القضائية على سلامة الآلية القانونية لسحب الجنسية، والتحقق من عدم إساءة استعمال السلطة أو التعسف فيها.



-النقد السياسي وإنشاء الجمعيات ليس جريمة، بل حق دستوري:

ما نسبه القرار بشكل مجمل غامض للدعاة المسحوبة منهم جنسيتهم من أفعال كلها أفعال ليست مجرمة أصلاً، بل هي حقوق دستورية مكفولة للمواطن، فالنقد السياسي وحق التجمع كلاهما حقّان يحتضنهما الباب الثالث من الدستور والذي جاء فيه:

(حرية الرأي، والتعبير عنه بالقول والكتابة، وسائر وسائل التعبير مكفولة في حدود القانون)[دستور الإمارات: م30].


فسائر ما قاله وعبر عنه دعاة الإصلاح داخل في مشمول هذه المادة الدستورية، والتقييد الذي ذكرته هذه المادة هو فقط أن لا يكون الراي والتعبير مخالفاً لقانون معين، ولا يوجد أي قانون يمنع ما قالوه.


وأما اشتراكهم في أعمال جماعية إسلامية فهي -أيضاً- حق دستوري مكفول للمواطن الإماراتي كما جاء في الدستور: (حرية الاجتماع، وتكوين الجمعيات، مكفولة في حدود القانون)[دستور الإمارات: م33]


فضلاً عن كون جمعية الإصلاح التي كانوا قد شاركوا فيها جمعية مصرحة يرأسها الشيخ سلطان بن كايد القاسمي.


بما يعني أن كل الأفعال التي أوحى الخبر بها إنما هي أفعال مشروعة بنص الدستور، ومكفولة للمواطن الإماراتي، فكيف تجرّم؟ بل كيف تجعل من الأوصاف الجرمية الكبرى المسوغة لسحب الجنسية؟!



-الآثار القانونية الخطيرة لسحب الجنسية:

من أكثر الأمور إيلاماً أن قانون سحب الجنسية الإماراتي أتاح أيضاً سحب الجنسية عن أبناء وزوجة المسحوبة جنسيته، حيث تنص المادة على ما يلي:

(واذا سحبت الجنسية عن شخص جاز سحبها بالتبعية عن زوجته، وأولاده القصّر)[قانون الجنسية: م16/4].



وهذا المبدأ في الحقيقة فيه انتهاك للمبدأ الدستوري حول شخصية العقوبة، لأنه جعل العقوبة تسري إلى أبرياء لا صلة لهم بجريمة الأب -على افتراض وجودها-، على أنه في شروحات القانون الدولي الخاص توجد تبريرات لمثل هذه الانتهاكات لمبدأ شخصية العقوبة، لكنها تبريرات باهتة تأباها الفطرة السوية، فسحب جنسية الزوجة والأبناء تبعاً مجرد مظالم متراكمة!



-الاستتباعات السياسية:

الحقيقة أن إدخال (سحب الجنسية) كسلاح جديد في الفتك بالأصوات الإصلاحية هو أسلوب غير مألوف في دول المنطقة، وأول من طبقه في الخليج هم بعض النافذين في دولة الإمارات الغالية للأسف.



بكل صراحة ووضوح، ففي خضم التفاعلات الساخنة لهذا الموضوع؛ فإنني وجدت في مسرح هذا الحدث كل العناصر المعتادة في هكذا أحداث، ولكنني افتقدت شيئاً واحداً، عنصر ضروري لم أجده في هذا المشهد بكل تفاصيله، وكان لهذا الغياب أثره الجوهري، هذا العنصر الذي غاب في هذا الحدث هو بكل اختصار (حكمة المعالجة) لدى الشيخ زايد رحمه الله، تلك الشخصية الوقورة الهادئة التي تسع الجميع، وتحنوا على الجميع، وتعالج الأمور بالرزانة والحنكة والسكينة؛ توارت عن هذا المشهد للأسف.. كل أمل أن لا يكون الأبناء دفنوا حكمة زايد معه في ضريحه..



ألهذه الدرجة يبلغ الهوان بالإنسان المسلم في بلد خليجي كريم؟!



ومن يتوقع أن هؤلاء السبعة الذين سحبت جنسياتهم في خطر، فهو واهم، الحقيقة أننا أصبحنا جميعاً في خطر، ويخشى أن يكون سحب الجنسية مجرد إجراء تمهيدي لتنفيذ عمليات أكثر قسوة بعد خلع ثياب الجنسية.



الطريف حقاً أن الستة كلهم شخصيات سنية، بل مشغولة بالدعوة لمنهج أهل السنة، ثم يحتج المستبد بالبعبع الإيراني! ولو كان هذا هو السبب لنزعت الجنسية من شخصيات شيعية معروف ولاؤها المذهبي.



كان من المعروف أن هناك وهم كبير لدى بعض النافذين في جهاز أمن الدولة حول خطر الاتجاهات الإسلامية، ولذلك كانوا يتخذون قرارات خرقاء بمنع دخول شخصيات إسلامية معروفة بتوسعها في التسامح أصلاً، كان هذا معروفاً لكنه كان على نطاق محدود، المشكلة اليوم أن هذا الوهم بدأ يتسرب من عقول بعض قيادات أمن الدولة ويعشعش في عقول بعض الشخصيات السياسية النافذة.



في تقديري أن هذا الحدث الفاجع في الإمارات الغالية من أخطر أحداث القمع في منطقة الخليج عموماً، وفي الإمارات خصوصاً، وإذا مرّ هذا الموضوع بهدوء؛ فسيصبح سيف "سحب الجنسية" مصلتا على أعناق الناطقين بكلمة الإصلاح، وسيتحسس الجميع جنسيته بعد كل كلمة نقد يتجرع أنفاسه وهو يهمس بها.



على أية حال .. لما قرأت هذا الخبر الأليم عن سحب جنسية دعاة الإصلاح في إماراتنا الغالية على قلوبنا تذكرت خبراً نشرته صحيفة البيان الإماراتية في عام 2006م، وكانت تفاخر بأنها أول من نشره، وأن الصحف الخليجية والعالمية تناقلتها عنها، هذا الخبر هو منح لاعب كرة القدم "دياكيه" الجنسية الإماراتية، وقد صرح هذا اللاعب بسعادته وقال:

(شعوري لا يوصف، فأنا سعيد للغاية لحصولي على الجنسية الاماراتية)[صحيفة البيان الإماراتية، 10 سبتمبر 2006م].


حين رأيت هذه المقارنة الأليمة قلت في نفسي: مشكلتكم أنكم لستم دياكيه يادعاة الإصلاح!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق